تأملات في مغزى المشاركة المواطنة للشباب على صعيد أحياء
المدن
ذ. مصطفي بنرهو: باحث في قضايا الشباب
تعد إشكالية الإقصاء الاجتماعي من أهم القضايا المقلقة التي تؤرق واضعي السياسات الإدماجية بالمغرب، خصوصا فئات الشباب التي تعتبر أكثر عرضة للإقصاء من غيرها، نتيجة النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي لم ترق بعد إلى مستوى التجاوب مع احتياجاتهم، والحال أن الشباب أكثر الفئات الاجتماعية تأثراً بالواقع ومتغيراته من فكر وقيم ومشاعر وسلوك، مما يتولد عنه الشعور بالتهميش والإحباط والإقصاء.
فإذا كان الباحثون الاجتماعيون
يقرون بان الإقصاء هو نتيجة تراجع الانسجام الاجتماعي وتعطيل الاندماج الاجتماعي،
فان الأمر يتطلب تحديد مجالات هذا الإقصاء ومختلف العوامل والمحددات البنيوية
والسلوكية والمؤسسية التي تساهم في الحد من الاستغلال الواسع لطاقات الشباب
وقدراتهم المتعددة، حتى لا يصبح الشباب معيقا للتنمية.
وفي ظل هذه الأوضاع المستجدة، تبدو الحاجة إلى صياغة رؤية مبتكرة وفق آليات
عمل تقوم على الشراكة مع الشباب وهيئات المجتمع المدني، الوسيلة الأنجع لتطوير الإمكان الشبابي،
وتحويله إلى طاقات منتجة وعلى رأسها الإدماج عن طريق التنشيط السوسيو ثقافي كمجال
من مجالات التدخل عبر الأنشطة الاجتماعية
والثقافية نظرا لكونه يلعب دورا حيويا في تعزيز المشروع التشاركي الذي يتأسس على
مشاركة الشباب ، وخاصة في أحياء المدن ، كما
يعطي معنى للمشروع الميداني وطبيعة ديناميات العلاقات الاجتماعية في ارتباط
مع مختلف القضايا التي تحيط بها.
ويبقى الواقع الاجتماعي والثقافي هو المصدر الذي
يمكن من تفكيك الروابط الاجتماعية، من خلال العمل مع الجماعات الشباب ومشاركة
الجميع بما يعزز مواطنة الأفراد ويساهم في العملية الديمقراطية في المجتمع، وبالتالي
يعزز التماسك الاجتماعي وتجديد الحياة المجتمعية.
لذا فصيانة وتطوير العمل التطوعي تشكل تحديا
كبيرا لجمعيات المجتمع المدني لتحقيق توازن دينامية للمجتمعات المحلية ، وفرص
للسياسات العمومية في الوساطة، باعتبار أن
الجمعيات تشكل فضاء الإبداع والتعبير الذي يأتي إليه الشباب، مجانا لاستنباط استجابات، وخلق
أنشطة لأنفسهم أو للآخرين بحرية وتلقائية.
وهنا تأتي أهمية الاسترشاد بالمبادرات الرائدة في إدماج
الشباب لفهم أفضل للأساليب الاجتماعية والثقافية
التي يمكن أن تدعم المشاركة المواطنة و العمل مع الشباب ، خصوصا في أحياء المدن،
وذلك من خلال طبيعة
العلاقة التي يمكن أن تنشأ بين
مشاركة المواطنين والمواطنات وعلاقتها بنوعية الحياة في الأحياء، من اجل تنمية الحس المواطن، عبر تنظيم وحشد جماعات الشباب لتحقيق التغيير
الاجتماعي، على قاعدة المشاركة الطوعية و الديمقراطية، المعززة للوعي بالهوية الجماعية .
لذا يبدو من الأهمية نهج سياسة القرب الاجتماعي بأحياء
المدن ، لفسح أمام شباب وجمعيات الأحياء أشكالا معبئة لمواطنتهم، من
خلال عمليات جماعية تمنح فرص المشاركة بمفهومها الواسع في الحياة العامة للأحياء، وتوسيعها
لتشمل سياسة المدينة حتى لا تظل متروكة لاستفحال السلوكات السلبية والتهميش وتنامي
ظاهرة العزلة وآللامبالات بقضايا التنمية
المحلية لدى الشباب ، و التي تسائل الشباب قبل أي جهة أخرى عن واجباته نحو
تحقيق السلم الاجتماعي وضمان شروط الحياة المشتركة .
ومن هذا المنطلق يجب اعتبار الأحياء مجالا أخر
للتمرن على الفعالية والمسؤولية، وفق مقاربة ومنهجية تجمع بين التنمية
الإنسانية للشباب وتامين مسارهم في الحياة والبيئة المحلية، ومساعدتهم على
إنشاء مساحة للمشاركة النشيطة، لإعادة
الاعتبار لمكانة الأحياء في حياة الشباب كمجال يحتاج اليوم إلى أشكال جديدة
من التضامن والتدخل الاجتماعي ، مدخله الأساس الاستثمار في جماعات الشباب
،باعتبارها من أهم العناصر الفاعلة والمواطنة التي تقوي المشاركة، و تساهم في
التخفيف من مختلف أشكال المعاناة أو التهميش الاجتماعي، كما تفسح المجال لدينامية
التجديد والتغيير والتضامن عبر كل أشكال التنشيط السوسيو تربوي و ثقافي والرياضي، يبقى السؤال الحارق متى سيتم استدراك هذا الهدر
من طرف السياسات العمومية الموجهة إلى المدن وإقرار تشريعات وخطوات إستراتيجية
لاستباق حالات الإقصاء بانتهاج مقاربة ترتكز على إشراك الشباب وتجعل منه أولوية
ضمن السياسات الترابية المحلية والجهوية والوطنية ؟
لذا فتشجيع المبادرات المواطنة التي
تساهم في تقوية نسيج الأحياء، تعتبر مساحة
اجتماعية تساهم في التنمية المستدامة للمدن
، وتقوي التواصل والتعاون من اجل
النهوض بحقوق شباب الأحياء وحمايتها وتنمية مشاركتهم واندماجهم
الاجتماعي والثقافي الهادفة إلى
تنمية الوعي بأهمية السلم
الاجتماعي المحصن لحماية الحياة المشتركة.
وفي هذا السياق يشكل نهج أسلوب مبتكر
مع المنظمات والجمعيات الفاعلة في مجال الشباب لتنظيم وتعبئة و تقوية الفعل
الاجتماعي والثقافي ، و تعزيز ممارسة المشاركة الطوعية عبر خدمات القرب، المدخل الأساس لتسهيل اندماج الشباب في النسيج
الاجتماعي، و المحفز القوي لحركية الشباب
وتعبئتهم من اجل التنمية المحلية ومشاركة الشباب فيها ، عبر الاعتماد على الأنشطة الاجتماعية والثقافية كوسيلة ناجعة
لحشد المسؤوليات الجماعية وتعزيز التضامن
المحلي ، وتقوية قدرات الشباب وتمكينه على
بناء أشكال خلاقة للعمل والعلاقات الاجتماعية، علاوة على ذلك سيوفر مجالا للتعبير عن الصعوبات التي
تواجه الشباب من حيث نوعية العلاقات الحياتية والاجتماعية مع مختلف الجهات الفاعلة
السياسية والاجتماعية والاقتصادية
والتربوية، و يشجع على الانخراط في أي عمل من شأنه تسهيل خلق الثقة والتضامن
المعزز لأشكال الانخراط القائمة على المشاركة اللينة والمتحركة، والتي
تسمح بالتعبير عن تجربة الشباب في الأحياء على
قاعدة تعاقد اجتماعي يعطي للفاعلين المحليين من مؤسسات منتخبة وقطاعات
حكومية وخاصة ومدنية دور رائد في مصاحبة
كل المبادرات الشبابية التي تدعم الفعل الاجتماعي من اجل نشر المعرفة و تمكين
مشاركة الشباب المواطنة، وبالتالي فتح أبواب الفضاءات السوسيو تربوية والثقافية على
الممارسات الثقافية والرياضية والطوعية والاجتماعية لتجعل منها
مؤسسات فاعلة ونشيطة ومؤثرة في الشباب .
وإذا كانت جمعيات و منظمات الشباب تعتبر مكونا هاما بالنسبة للتنمية المحلية، فانخراطها
الواعي في مسار دينامية الأحياء سيساهم
في إعادة توجيه تدخلاتها لفائدة الشباب
وفق منظور متجدد الأساليب في الإدماج الاجتماعي ، خصوصا في سياق اجتماعي وسياسي
متحرك يتسم بارتفاع سقف مطالب الشباب ومشاغلهم وتخوفاتهم على مستقبلهم.
إنها مهمة جديرة أيضا بإعادة تقويم
الفعل المدني داخل أحياء المدن ، لوضعه على السكة الصحيحة من خلال إعطاء الفئات
المهمشة فرصة للانخراط في عملية التنمية التشاركية ، التي تنمي في الشباب تعلم وممارسة الاعتماد على
الذات، وتعزز لديه الشعور بالقيمة الشخصية، وفي هذا السياق يبدو مهما إعادة
الاعتبار لتنشيط الأحياء، كمسلك نحو كسب رهان تعزيز التماسك الاجتماعي بين
المواطنات والمواطنين. ذلك أن الأحياء لم تعد تعني فقط مكان للإقامة
والاستقرار و تحديد علاقة المواطن في الوصول إلى الخدمات، ولكن هناك
ما هو أهم ويتعلق الأمر بضمان الثقة في طرائق الحياة المشتركة للجميع
وتكريس الحق في المدينة.