في استمرار لمشروعه المهتم بالطفل وأدبه، صدر للكاتب والقاص المغربي العربي بنجلون كتاب معنون بـ”ثقافة الطفل.. قيم فنية ومبادئ إنسانية”، عن منشورات دار التوحيدي.
ويكتب العربي بنجلون عن “الصعود إلى الطفل”، ذاك “الفيلسوف الصغير”، للكتابة له، و”الخطأ الذي يحول دون تطورنا اقتصاديا واجتماعيا”، الذي هو “تنكرنا للفكر والفلسفة والأدب والمعرفة والفنون، وحتى الرياضة”؛ لأنها “نوافذ ثقافية، تنشط الذاكرة، وتفسح المخيلة، فتبعث على الأسئلة والتفكير والبحث، وتقضي على سكونية العقل وثبوتيته”، ودونها “تظل أجيالنا المتعاقبة عمياء، لا تسأل ولا تنظر ولا تبصر إلا الظلام”.
وينبه بنجلون إلى “الخطأ الكبير” في تصور أن كتابة الطفل منحصرة في اللغة البسيطة، والشخوص الحيوانية، والحجم الصغير، والأوراق القليلة، والرسوم، ويزيد متحدثا عن البرزخ القائم بين كاتب الصغار وكاتب الكبار، و”المسؤولية الجسيمة لكاتب الطفل”؛ باعتبار التهام القارئ الصغير النص الموجه له “دون مضغ، وبلا تمثل، لأنه يعتبر الكاتب منزَّها عن الخطأ اللُّغوي والفكري، ويتربع أعلى مرتبة يرتقيها الإنسان، ألا وهي الكتابة”.
وفي هذا السياق، يسجل الكاتب البارز مغربيا وعربيا في كتاب الطفل أن المرحلة الواقعية الأولى تمتد من السنة الثانية إلى السادسة، من عمر الطفل، وتتخذ فيها الحكاية من ذاته مركزا لها، وتليها “مرحلة الخيال الحر”، الممتدة من السادسة إلى التاسعة، فاصلة بين الواقعية الأولى والواقعية الثانية، التي تمتد من التاسعة إلى الثانية عشرة، إذ ينتقل الطفل من لغة التمركز حول الذات إلى اللغة الاجتماعية، فيسعى إلى التفاهم والتفاعل مع الآخر.
ويبرز العربي بنجلون المفارقة القائمة بين تعامل الطفل مع كاتبه وتعامل الراشدين معه؛ فـ”بقدر ما يكبر الكاتب في عين الطفل بقدر ما يصغر في عين الكبير”؛ ويبسط التصور المثالي للطفل حول كاتبه، الذي يسأله “هل بطنك مملوء بالقصص؟”، و”هل تمتلك طائرة تتنقل بها بين المدن والدول؟”، فيما هو لا يمتلك “حتى درّاجة”.
وفي إضاءة على عنوان الكتاب، يكتب بنجلون ألا فرق عنده بين “أدب الطفل” و”ثقافة الطفل”، بل “إن كان معنى الأدب محدودا، ومعنى الثقافة عاما وشاملا، فكلاهما يدل على الآخر!”.
ومع كون الحكاية “أيسر السبل للوصول إلى عالم الطفل”، يشدد العربي بنجلون في كتاب “ثقافة الطفل” على “ضرورة أن يحاول الكاتب استغلال القسمات الخاصة بكل مرحلة في سبك الحكاية، لإقامة جسور التواصل بين الكتاب والطفل”، وأن يستحضر “أن اللغة عنصر هام في سبك الحكاية، تغرس في الطفل الثقة والطمأنينة النفسية”، وأن من الضروري “الكتابة للطفل على أسس تربوية وعلمية”، تحدد غاياتها طبقا لتصورات وآفاق مستقبلية يرنو المجتمع إلى تحقيقَها.
كما ينبه الكاتب إلى الحاجة إلى أن يشترى كتاب الطفل، للأطفال والتلامذة، “انطلاقا من أرضية تربوية صحيحة”، فتحدد، على سبيل المثال لا الحصر، المرحلة العمرية المتعامل معها، وتستعمل الوسائل المغرية لتوجيه الطفل؛ مع استحضار أن “الطفولة مراحل غير متجانسة، لكل منها قسماتها الخاصة، وهي في الحين نفسه متصلة، ملتحمة، تتفاعل في ما بينها، تفضي كل مرحلة إلى التي تليها”؛ حتى يحسن استثمار كتاب الطفل، فيفتَح بصر “الفلاسفة الصغار” ويغذي ذائقتهم.