.الأستاذ محمد ناعم إطار ومكون في مجال التنمية الذاتية
أدت جائحة كورونا "فيروس كوفيد 19" إلى تأثير وتغيير في نمط نشاط الجمعيات والأندية التربوية والثقافية والفنية والترفيهية التي تتخذ من دور الشباب ـ التي أغلقت أبوابها لشهور طويلة ـ مقرا لها إلى حد الإرباك عند بعضها والفتور والانسحاب الكلي عند الأخرى مما جعل ِآلاف الشباب والأطفال الذين فرض عليهم قرار إغلاق هذه الدور النزوح نحو بوابات العالم الرقمي الافتراضي، بهدف استعادة جزء مما كانت توفره لهم هذه الدور ولجمعياتهم وأنديتهم من مساحات الترفيه والتنشيط والتثقيف وتبادل الرأي ووجهات النظر حول القضايا المختلفة التي تهمهم أو المشتركة بينهم، ليجدوا أنفسهم بين أحضان عالم رقمي افتراضي، بحر بلا نهاية وبلا ساحل يغري ويسمح بالسباحة في كل الاتجاهات، وتكفي نقرة صغيرة على زر لتتيح لأي كان منهم اتصالا يوفر له اندماجا ومشاركة وانفتاحا وتفاعلا إنسانيا يتخطى حاجز الزمان والمکان في غياب أية حدود أو قيود، وفي مواجهة العديد من القضايا المجتمعية، والمفاهيم والقيم المتعارف عليها أو الخلافية، الشيء الذي أحدث تأثيرا لا يمکن إغفاله في تمثلات الأطفال والشباب على مستوى الأفكار والمفاهيم والمعتقدات وعلى مستوى الكثير من القضايا الأخرى، علما أن غالبية الأطفال والشباب غير مسلحين وغير ملمين بمهارات وقواعد وتقنيات تساعد على تحصينهم وحماتيهم أثناء إبحارهم على الانترنيت أو عند استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من الاختراق والتضليل والتشكيك في القناعات التي تمس جوانب عديدة من أبرزها قيم مواطنتهم .
ومع الاعتراف أن مساهمة دار الشباب في المغرب محدودة عندما يتعلق الأمر بتعزيز قيم المواطنة والعمل المشترك من خلال الأنشطة الاجتماعية والثقافية (1) والتربوية والفنية في فترة الجائحة أو قبلها سواء عبر قنواتها التواصلية والتنشيطية التي يوفرها العمل المباشر الذي تتكفل به إداراتها ومنشطوها، أو عبر ممارسة التأثير والتوجيه على أنشطة الجمعيات والأندية وفق المقاربات والمرجعيات المعتمدة لديها، وبموازاة مع قرار إقفال دور الشباب في ظل هذه الجائحة الذي أقدمت عليه وزارة الثقافة والشباب والتواصل / قطاع الشباب دون التفكير في بدائل للخدمة العمومية التي تقدمها هذه الدور لفائدة الأطفال والشباب ، والذي يمكن وصفه بالتراجع والانتكاس عن أدوار مؤسسات دور الشباب عبر تاريخها الطويل الذي لعبت فيه منذ استقلال أدوارا طلائعية خاصة أوقات الأزمات التي تحتاج إلى تاطير داعم للمواطنين على اختلاف أعمارهم وشرائحهم الاجتماعية، حيث كانت أنشطتها وبرامجها وخدماتها وأطقمها التربوية والإدارية حاضرة ومعبأة في الصفوف الأمامية لموجهة التحديات والأزمات الصغيرة والكبيرة في مستوى قوة جائحة كورونا "فيروس كوفيد 19" . وبناء على ذلك يكون قرار الإغلاق التي تم اتخاذه عن قصد أو دون قصد انسحابا وإخلالا بأدوار هذه المؤسسات التأطيرية والتوجيهية والتعبوية لفائدة الأطفال والشباب، وسببا رئيسيا في دفعهم نحو الارتماء في أحضان الوسائل الالكترونية والرقمية والاندماج الكلي معها، والولوج لبوابات ومنصات وسائل ووسائط التواصل الاجتماعي دون مرافقة ومواكبة، ودون توجيه وتوعية بمخاطر وسلبيات سوء استخدامها، وإدراك لمدى خطورة ذلك وانعكاسه على سلامتهم النفسية والجسدية وهويتهم الأخلاقية والوطنية.
وخلال هذه الظرفية نجد في الجانب الآخر حركة نشيطة لجمعيات ومنظمات المجتمع المدني وفي ظل هذه الأزمة انخرطت في حملة غير مسبوقة يقودها الائتلاف المغربي لمجالس دور الشباب من أجل فتح هذه الدور في وجه الشباب والأطفال مع التعهد الكامل باحترام البرتوكولات الصحية يقابله صمت مطبق من القطاع الوصي على هذه المؤسسات.
وعلى الرغم من ان مطلب جمعيات ومنظمات المجتمع المدني بفتح دور الشباب تحقق، فإنه في أية صيغة من صيغه سيكون منقوصا في غياب مراجعة هيكلية للنسق الإداري والتربوي والاجتماعي وللرؤية المستقبلية لمؤسسات دور الشباب ورسالتها، وأدوارها المنشودة، ومجالات خدمتها العمومية خاصة التي لها علاقة بالأطفال والشباب، كما انه لن يكون له أي تأثير في ظل تهميش منظمات وجمعيات المجتمع المدني ومجالس الدور، وفي غياب إشراك حقيقي لها وتشجيعها على إبتداع أنشطة ومبادرات مناسبة تسعى إلى استدماج ثقافات الثورة الرقمية التي استقطبت واستلبت منها اغلب روادها.
وعلى هذا الأساس أصبح اليوم من أولويات مؤسسات دور الشباب والقائمين على إدارتها أو المساهمين في تفعيل أدوارها وإشعاع أنشطتها التفكير بجدية في توفير وتوظيف آليات التكوين والتدريب على التكنولوجيا الحديثة مقرونة بالتربية على المواطنة الرقمية وتعليمها وتعزيز قيمها کطريقة جديدة للتفکير في کيفية استثمار التعاطي بالشکل المناسب والمسؤول مع التکنولوجيا الحديثة الرقمية عند استخدامها من طرف الشباب والأطفال، أو عند توظيفها كأدوات للتنشيط والترفيه والتربية والتثقيف والتواصل مع الآخرين محليا وإقليميا ودوليا.
وفي هذا الإطار لنا أن نتساءل :
1ـ ما مفهوم المواطنة الرقمية ؟
2ـ ما عناصرها الأساسية ؟
3ـ ما أدوار مؤسسات دور الشباب في تعزيز المواطنة الرقمية ؟
أولا ـ مفهوم المواطنة الرقمية:
ـ المواطنة (Citoyenneté):
المواطنة بوصفها مصطلحا معاصرا ،هي تعريب لكلمة (Citoyenneté ) التي تشير وفقا لدائرة المعارف البريطانية إلى " علاقة بين فرد ودولة كما يحددها قانون تلك الدولة، وبما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق متبادلة في تلك الدولة، متضمنة مرتبة تبدأ من الحرية مع ما يصاحبها من مسؤوليات".
المواطنة الرقمية (Citoyenneté numérique):
يمكن تعريف المواطنة الرقمية بأنها "تفاعل الفرد مع غيره باستخدام الأدوات والمصادر الرقمية، مثل الحواسيب والهواتف النقالة، بكافة ما توفره من خدمات كالبريد الإلكتروني والمدونات ومواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي، ... إلخ ، مع ما يستلزمه ذلك من قواعد وضوابط ومعايير وأهداف وأفكــــــار ومبادئ تُشبع الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا الرقمــية " (Jwaifell, 2018).(2)
وعلى هذا الأساس فالمواطنة الرقمية مجموعة الأفكار والمبادئ والضوابط والمعايير والبرامج والأساليب وقواعد السلوك المتبعة في الاستخدام الأمثل والقويم للتكنولوجيا المتنوعة التي يحتاجها الصغار والكبار في حياتهم اليومية في ظل الثورة
الرقمية، وتهدف إلى تحقيق:
1ـ تكافؤ الفرص للجميع من خلال :
• الوصول الرقمي: المشاركة الإلكترونية الكاملة في المجتمع.
• محو الأمية الرقمية: عملية تعليم وتعلم التكنولوجيا واستخدام أدواتها.
• الحقوق والمسئوليات الرقمية: الحريات التي يتمتع بها الجميع في العالم الرقمي.
• اللياقة الرقمية: القواعد والقيم المشتركة التي يجب أن تحكم كافة التعاملات الرقمية.
2ـ التوجيه نحو منافع التقنيات الحديثة باستخدام:
• الاتصالات الرقمية: التبادل الإلكتروني للمعلومات.
• التجارة الإلكترونية: البيع والشراء الإلكتروني للبضائع والمنتجات.
3ـ حمايتهم من أخطارها بخلق آليات مثل:
• القوانين الرقمية: المسؤولية الإلكترونية على الأعمال والأفعال.
• الأمن الرقمي (الحماية الذاتية): إجراءات ضمان الوقاية والحماية الإلكترونية.
• الصحة والسلامة الرقمية: التوعية بمخاطر ا الرقمية على الصحة النفسية والبدنية .
ثانيا ـ العناصر الأساسية في المواطنة الرقمية؟
للمواطنة الرقمية تسعة عناصر أساسية أشار إليها الأستاذ المغاوري في كتابه المواطنة الرقمية: تحديات وآمال ، يمكن ملخصة فيما يلي (3) :
1ـ الوصول أو الولوج الرقمي (Accès numérique):
أي المشاركة الكاملة للفرد في المجتمع الرقمي. وهنا يجب أن يُدرك مستخدمو التكنولوجيا أن فرص الاستخدام الأمثل غير عادلة نظرًا لتفاوت الإمكانيات والكفاءات، الأمر الذي يؤثر قطعًا على التنمية المستدامة للمجتمع ككل. لذا يُعد العمل على تحقيق المساواة في القدرة على استخدام التكنولوجيا، والتأكد من عدم حرمان أي شخص من الوصول الرقمي، نقطة انطلاق أساسية للمواطنة الرقمية.
2ـ التجارة الرقمية (Commerce numérique):
أي بيع وشراء السلع إلكترونيًا عن طريق الإنترنت؛ الملابس والألعاب والغذاء والسيارات وغيرها. لا شك أن ثمة عمليات تبادل تجاري كثيرة ومتنوعة تجري عن طريق الإنترنت بشكل شرعي وقانوني، لكن المستخدمين في حاجة إلى الإلمام بكافة القضايا والمشكلات التي تتعلق بالتجارة الرقمية، لاسيما تلك الخدمات التي تتنافي مع الأخلاق والقانون، كالتحايل على البرامج، والمواد الإباحية، والمقامرة، وسرقة الملكيات الفكرية، ... إلخ.
3ـ الاتصال الرقمي (Communication numérique):
أي التبادل الإلكتروني للمعلومات، ففي القرن التاسع عشر، وحتى منتصف القرن العشرين تقريبًا، كانت خيارات الاتصال محدودة، لكن العالم شهد بعد ذلك انفجارًا في خيارات الاتصال التي باتت أكثر اتساعًا وتنوعًا وسرعة (البريد الإلكتروني، الهواتف الخلوية، الرسائل الفورية، ... إلخ)، ومن ثم أصبح الناس قادرين على التواصل المستمر مع بعضهم البعض من أي مكان وفي أي وقت، وتلك إحدى التجليات المُهمة للثورة الرقمية. لكن – لسوء الحظ – لم يكتسب الجميع القدرة على اتخاذ القرارات المناسبة فيما يتعلق بخيارات الاتصال وتقنياتها وأبعادها الإيجابية والسلبية، الأمر الذي ينتقص من مفهوم المواطنة الرقمية الكاملة.
4ـ محو الأمية الرقمية (Littératie numérique):
أي إدراج مهارات التعامل مع التكنولوجيا الرقمية في البرامج التعليمية . الأمر هنا يختلف من دولة إلى أخرى، ويتفاوت من مجتمع إلى آخر؛ فعلى الرغم من أن كثرةً من برامج التعليم الغربية قد حققت تقدمًا ملحوظًا في هذا الصدد، إلا أن ثمة تفاوتًا – وإن كان محدودًا – فيما بين هذه البرامج وبعضها البعض، كما أن ثمة تفاوتًا كبيرًا فيما بين هذه البرامج وبرامج التعليم في دول العالم الثالث، وهو ما تجلى مثلاً خلال جائحة كورونا، حيث عجز قطاع عريض من التلاميذ والطلاب عن التواصل التعليمي الإلكتروني بشكلٍ فعَّال. من جهة أخرى، يجب التركيز على تعليم جموع العاملين في المهن المختلفة كيفية استخدام التقنيات المتداولة والمُحدثة باستمرار في المجتمع الرقمي، ومحو الأمية المعلوماتية لقطاعٍ عريض منهم لا تُتاح له غالبًا فرصة تعلمها بشكلٍ سريع ومناسب، وإلا كانت المواطنة الرقمية قصرًا على فئة بعينها، وبالتالي تنتفي أهم سمات المواطنة، وهي العدالة والمساواة.
5ـ الآداب الرقمية (Etiquette numérique):
أي القواعد والقيم المشتركة التي يجب أن تحكم كافة التعاملات الرقمية. غالبًا ما يرى مستخدمو التكنولوجيا هذا العُنصر كأحد أكثر جوانب المواطنة الرقمية إلحاحًا وإشكالية، وسبب ذلك أن كثرة من الناس يستخدمون التكنولوجيا دون تعلُم آدابها (مساحة الحرية وحدودها وطرائق ممارستها)، ولذا تلجأ بعض الحكومات وولاة الأمر إلى حظر التكنولوجيا بشكلٍ جزئي أو عام للحد من الاستخدام غير المناسب لها، لكن المسألة تتجاوز مجرد التدخل الحكومي أو الأسري في عصر السماوات المفتوحة، ومن الضروري أن يتعلم الجميع كيف يمكن أن يكونوا مواطنين رقميين في مجتمع رقمي جديد.
6ـ القانون الرقمي (Droit numérique):
أي مسؤولية الأفراد والجماعات والحكومات أخلاقيًا وقانونيًا عن كافة الممارسات الإلكترونية. يتجلى الاستخدام غير الأخلاقي غالبًا في شكل سرقة و/ أو جريمة، ويتجلى الاستخدام الأخلاقي في الالتزام بقوانين المجتمع الرقمي وتشريعاته التي ما زالت في طور التطوير والتحسين. ويجب أن يعي الجميع أن إلحاق الضرر بالآخرين، أو سرقة هوياتهم أو ممتلكاتهم، أو الحد من حرياتهم، أو كشف خصوصياتهم، أو التلاعب بعقولهم، ... إلخ، تُعد أمورًا غير أخلاقية، أو بمعنى أدق، جريمة يُعاقب عليها القانون.
7ـ الحقوق والمسؤوليات الرقمية (Droits et responsabilités numériques):
ثمة مجموعة أساسية من الحقوق تمتد إلى كل مواطن رقمي، منها الحق في الخصوصية، والحق في حرية التعبير وإبداء الرأي، وما إلى ذلك. وفي موازاتها تأتي أيضًا المسؤوليات التي تقع على عبء المستخدمين للتكنولوجيا الرقمية، وفي مقدمتها المساعدة في تحديد كيفية استخدام التكنولوجيا بشكلٍ مناسب ومثمر. ومن الضروري معالجة الحقوق والمسؤوليات ومناقشتها بشكلٍ دوري من قبل مُنظري المجتمع الرقمي.
8ـ الصحة الرقمية (Santé numérique):
أي السلامة البدنية والنفسية في عالم التكنولوجيا الرقمية. على سبيل المثال، تُعد أمراض العين، ومتلازمة التعب المُزمن ، وخشونة المفاصل ، والتهاب الفقرات من الأمراض التي يجب تجنبها وتقديم العلاج الناجع لها في عالم التكنولوجيا الرقمية. هذا فضلاً عن الأمراض النفسية التي أصبحت أكثر انتشارًا، مثل إدمان الإنترنت، والاكتئاب، والانتحار، والرهاب الاجتماعي. يجب أن يتم توعية المستخدمين بالمخاطر الجسدية والنفسية الناجمة عن استخدام التكنولوجيا الرقمية، بل وتدريبهم على كيفية تجنبها وعلاجها.
9ـ الأمن الرقمي (Sécurité numérique):
أي كيفية اتخاذ الاحتياطات التكنولوجية اللازمة إزاء الجرائم الرقمية، مثل سرقة الهويات، وتشويه الآخرين أو تعطيل مصالحهم، أو العبث بأجهزتهم من خلال زرع الفيروسات بها. لا شك أن أي مجتمع يمكن أن ينطوي على جرائم نوعية يتخذ الناس الاحتياطات المناسبة لتجنبها؛ كوضع الأقفال على أبواب المنازل، وتوفير أجهزة الإنذار ضد السرقات والحرائق، ويجب أن نفعل الشيء ذاته ابتغاءً للأمان في المجتمع الرقمي، كتوفير وتحديث برامج مكافحة الفيروسات، وتعلم كيفية وضع واستخدام اسم المستخدم وكلمة السر، إلى غير ذلك من وسائل باتت ضرورية في المجتمع الرقمي.
ثالثا ـ أدوار مؤسسات دور الشباب في تعزيز المواطنة الرقمية ؟
شهدت مؤسسات دور الشباب قبل أواسط الثمانينات حضورا وتأثيرا وتوهجا مميزا على كافة المستويات، لاسيما في مجالات مساهمتها في التربية والتثقيف والتنشيط والترفيه والتوعية والتحسيس الموجه للصغار والكبار ، وباتت تصنف مؤسسة وازنة من مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بالإضافة إلى مساهماتها في الحملات الوطنية المختلفة وأدوارها في تعبئة الجمعيات والأندية المنضوية تحت لوائها على المساهمة في مسارات التنمية الثقافية والاجتماعية للتخفيف من التحديات التي تواجه البلاد وتقليص آثارها على حياة للمواطنين، ودعواتها وتوجيهها في كل المناسبات نحو الالتفاف حول القضايا الوطنية الداخلية والخارجية.
واليوم وفي ظل ما أصبحت تعرفه البلاد من تحولات عميقة وسريعة، أصبحت مؤسسات دور الشباب مطالبة باستعادة أدوارها خاصة الدور الذي يتعلق بأكبر التحديات الراهنية في المجتمع والمتمثل في استخدام التكنولوجيا الحديثة وما يقتضيه هذا الاستخدام من تعزيز لقيم المواطنة الرقمية لدى الأطفال والشباب من روادها، وما يمليه هذا الدور من تعبئة لكل مواردها لاستعادة حضورها ولعب أدوارها التي أحدثت من أجلها في أفق تحقيق مواطنة رقمية وتعزيز قيمها لدى الرواد من الأطفال والشباب تبعا لضرورات المرحلة وسياقاتها ومستجداتها والعمل على التعاطى بالشكل السريع والإيجابي معها باستخدام كل الأدوات والاستراتيجيات المتاحة في الجوانب الثلاثة التالية :
1ـ الجانب التوعوي والتحسيسي
يصبح أمرا أساسيا على عاتق مؤسسات دور الشباب لفهم ما يجب على الأطفال والشباب معرفته ومن أجل استخدام التكنولوجيا بشكل مناسب، والانخراط الفاعل في مواطنة رقمية حقيقية أن تعمل على لفت نظر روادها من الأطفال والشباب عبر اللقاءات والمنشورات الرقمية والأنشطة التفاعلية المختلفة التي تنظم بدار الشباب، وعبر توظيف وسائل التعبير كالمسرح والرسم والتشكيل والقصة والحكي والدراما والسينما والتوعية بأهمية استخدام التكنولوجيا الرقمية بطرق سليمة لتجاوز الأخطار الکبيرة التي يمكن أن تواجههم بسبب الاستخدام السيئ لها تحت ضغط حاجات الاستهلاك اليومي لها بلا مساعدة، أو محاذير، أو رقابة، أو توعية مسبقة من مقدمي الرعاية والفاعلين الأساسيين في التنشئة الاجتماعية، مما قد تكون له انعكاسات سلبية عليهم. كما أن تجاهل هؤلاء الأطفال والشباب وعدم الاهتمام بهم على هذا النحو سيؤدي إلى تفاقم العديد من المشکلات وتزايدها يوما بعد يوم مثل: التنمر والاستغلال الجنسي عن طريق غرف الدردشة والشبکات الاجتماعية ، والمراسلات السرية، والصور غير اللائقة ، والأفلام الإباحية التي تشاهد في سن مبکرة أو في فترة المراهقة، وهذه الأفعال السلبية تؤثر بشكل كبير على نمو هذه الفئة من الأطفال والشباب، ليس فقط النمو الذهني والمعرفي، بل أيضًا النمو النفسي التي تبدو أثاره واضحة على سلوکياتهم وتصرفاتهم تجاه ذواتهم وتجاه الآخرين، بالإضافة إلى ما يمكن أن يتعرضوا إليه من تضليل وتشكيك في المعتقدات وفي الولاء للقيم والأوطان، علاوة على ما يمكن أن تشجع عليه التکنولوجيا الرقمية في جوانبها السلبية من الدعوة للعنف والدعارة والشذوذ الجنسي والتعاطي للمخدرات.
2ـ الجانب التعليمي والتدريبي:
بما أن المواطنة الرقمية ليست مجرد أداة تعليمية، بل هي وسيلة لإعداد الأطفال والشباب للانخراط الكامل في المجتمع والمشاركة الفاعلة في خدمة مصالح الوطن عموما، وفي المجال الرقمي خصوصا، يصبح أمام مؤسسات دور الشباب اليوم وفي ظل تحديات الثورة والمجتمعات الرقمية فتح ورش "المواطنة الرقمية" كأولوية في مسار تجديد دورها المتعلق بأخلاقيات الالتزام والسلوك المدني، وهذا يلزمها تعبئة كل إمكانياتها، وتسخير كل طاقاتها المتاحة نحو تنمية قدرات أطرها الرسمية والتطوعية في التعامل مع تکنولوجيا الزمن الرقمي، وأيضا بالعمل على فتح أقسام وفصول محو الأمية الرقمية، وتنظيم برامج ودورات لتدريب الأطفال والشباب على قواعد التعامل السوي مع التکنولوجيا الرقمية، والاستجابة لكافة الاحتياجات التدريبية المعبر عنها من طرف الجمعيات والأندية ورواد مؤسسات دور الشباب في المجالات المتعلقة بالتوظيف والاستخدام الآمن لهذه التکنولوجيا في التواصل والتربية والتثقيف والتنشيط.
3ـ الجانب التوجيهي والتخليقي:
بموازاة مع أدوار مؤسسات دور الشباب في الجانب التوعوي والتحسيسي وفي الجانب التعليمي والتدريبي يصبح مطلوبا منها أيضا تعزيز المواطنة الرقمية لدى الاطفال والشباب بحمايتهم عبر التوجيه والدعوة إلى تخليق تعاملهم مع التکنولوجيا الرقمية وعدم الانزلاق في مستنقع السلبيات التي تنتشر عبر استخدام شبكات ومنصات الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها ، وهذا لا يعني أبدا تقييد حريتهم، ونصب الحدود والعراقيل من أجل التحكم فيهم والسيطرة عليهم، ومراقبة ما يشاهدونه، أو ما ينشرونه، أو ما يتداولون بينهم بالملفوظ أو المكتوب أو المرموز أو الصور أو الفيديوهات، وإنما الهدف تقوية مناعتهم ورقابتهم الذاتية بالاستناد إلى أخلاقيات المواطنة الرقمية وطبيعتها وسماتها المسؤولة في الاستخدام الذكي للتكنولوجيا والمعلومات وللتواصل بطريقة أخلاقية، بما ينسجم مع قيم الحرية والعدالة الاجتماعية وحقوق الإنسان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مستخلص نتائج دراسة دار الشباب والادماج الاجتماعي للشباب: الأدوار ونمط الحكامة (2020) ـ ج, الشباب من اجل الشباب وج. المواهب للتربية الاجتماعية ومركز CREADE / بدعم من سفارة بريطانيا بالمغرب ص6
2ـ Jwaifell, M. (2018). The Proper Use of Technologies as a Digital Citizenship Indicator: Undergraduate
3ـ المغاوري محمد الملاح، تامر (2016). المواطنة الرقمية: تحديات وآمال. ص 18 وما بعدها.
- "ندوة وسائط التواصل والتربية على المواطنة